د. أنور علي بخرجي|  


بغض النظر عن ملاحظاتنا حول السياسات والخطط والبرامج التنفيذية التي اتخذتها وزارة العمل في الفترة الحالية؛ إنفاذاً للتعديل الأخير لنظام العمل السعودي المتعلق بإلزام الوافدين بالعمل لدى كفلائهم النظاميين وملاحقة العمالة السائبة التي تجوب الطرقات وتعمل في أنشطة متعددة دون قيود أو ضوابط، وما تمخض عن ذلك من إجراءات وحملات تفتيشية للمنشآت بمختلف أنواعها؛ ما أدى إلى حدوث حالة من الذعر والخوف والإرباك في سوق العمل بمختلف مكوناتها، الأمر الذي نتج منه ركود واضح وتوقف كثيرين عن ممارسة أنشطتهم خشية الوقوع في مصيدة الحملات التفتيشية المفاجئة التي نظمتها وزارة العمل بالتعاون مع الجهات التنفيذية المختصة، إلا أنه وعلى الرغم من سخط كثير من أطياف المجتمع على ما أحدثته تلك الحملات التفتيشية من آثار سلبية نجد أن هناك جانبا إيجابيا ونجاحا غير مسبوق استطاعت الوزارة تحقيقه من تلك الحملات، وهو تفعيل آليات توطين الوظائف وإحلال العمالة الوطنية بدلاً عن الوافدة، وظهر ذلك جلياً وبشكل ملحوظ من خلال الإعلانات التي بثتها عديد من شركات ومؤسسات القطاع الخاص عن رغبتها في سد احتياجاتها العمالية من المواطنين السعوديين، وهذا دون شك يؤكد صحة الاستراتيجية التي انتهجتها وزارة العمل الرامية إلى إتاحة الفرصة للعمالة الوطنية وحل إشكالية البطالة التي ظلت هاجساً مؤرقاً. لقد أوضحت في إحدى مقالتي السابقة أننا نمر بمرحلة حرجة تتطلب قرارات استثنائية؛ حفاظاً على النسيج الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، فهذه الحملات التفتيشية التي غطت جميع أرجاء المملكة رغم أنها تمت دون سابق إنذار وتسببت في إلحاق عديد من الأضرار المادية والمعنوية بالعاملين وأصحاب العمل، إلا أنها تنصبّ في مصلحة الوطن والمواطن على المديين المتوسط والبعيد، فقد طفح على السطح حقيقة العرض والطلب الفعلي بين العامل وصاحب العمل، وأثر ذلك بشكل إيجابي في الدخل الشهري للعمالة الوطنية، حيث بدأت عديد من المنشآت التجارية في القطاع الخاص تعمل على استقطاب السعوديين واستيعابهم مقابل رواتب مجزية لضمان استقرارهم. وعلى الرغم من هذا الدور الإيجابي الرامي لتوطين العمالة إلا أن ذلك حتماً سيصاحبه ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، وفي تقديري فهذه ظاهرة صحية يمكن معالجة إفرازاتها بشكل تدريجي، فــكي يكون هنالك استقرار في سوق العمل وتوازن اقتصادي فلا بد من زيادة رواتب العاملين في القطاع العام بشكل يتناسب مع هذه الأوضاع تزامناً مع تكثيف الجانب الرقابي من الجهات المختصة لضبط الزيادات الوهمية في أسعار السلع والخدمات بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن. إننا كمواطنين نعيش وننعم بخيرات بلادنا الحبيبة، فما زلنا نتطلع ونطالب بمزيد من الشدة والحزم في تطبيق القرارات الإصلاحية من مقام خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة التي تعمل جاهدة على مختلف الأصعدة على متابعة الأداء العام لجميع أجهزة الدولة ومدّ يد العون والمساعدة لجميع القطاعات لتمكينها من وضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج المستقبلية الهادفة إلى تحقيق التنمية الشاملة التي تنصبّ في مصلحة الوطن والمواطن، فالعمل العام أمانة ملقاة على أعناق من أولتهم الدولة ثقتها، وجدير بهم كمكلفين أن يضعوا مصلحة الوطن والمواطن نصب أعينهم ويسعوا بكل ما في وسعهم لتحقيقها. ختاماً: لا بد لنا كمهتمين بالشأن العام أن نعمل على الاستفادة من المنابر الإعلامية المتاحة والمتخصصة في تسليط الضوء على النجاحات التي حققتها بعض الجهات الحكومية في الارتقاء بالمستوى المعيشي والحياة الكريمة للمواطن السعودي والترفع عن الخلافات الفكرية الضيقة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فلنجعل مصلحة هذا الوطن وأمنه هي العليا والغاية التي نعمل جميعاً على بلوغها.