د. أنور علي بخرجي|
شهد العالم في الآونة الأخيرة تطوراً مذهلاً في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات، ما سهل عملية التواصل بين الناس بشكل غير مسبوق، حيث أصبح من الميسور التواصل بالصوت والصورة في أي وقت من الأوقات وبأبخس الأثمان، وبذلك أصبح كوكب الأرض رغم اتساع مساحته مجرد قرية صغيرة يمكن التنقل بين جوانبه المختلفة بسهولة ويسر، وهذا تطور إيجابي أفاد البشرية جمعاء، إلا أنه وعلى الرغم من الجانب الإيجابي لهذه التقنية، فهناك أيضاً سلبيات لا بد من تداركها عن طريق فرض بعض الضوابط والقيود من قبل الجهات المختصة بمراقبة ومتابعة مقدمي تلك الخدمات، وذلك بهدف الحفاظ على النسيج الاجتماعي والأمن الداخلي للدولة. إن القرار الذي أصدرته هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، القاضي بربط شحن شرائح الهواتف المتنقلة برقم هوية المستخدم يعد من القرارات الصائبة رغم تأخره، وبالتأكيد فإن إنفاذ محتواه وفقاً لمنطوقه سيعالج العديد من الإشكاليات والتحديات التي تستهدف أمن الوطن وسلامة المجتمع. فمن الملاحظ أن ظاهرة تفشي وانتشار الشرائح مجهولة الهوية التي عملت شركات الاتصالات على بيعها وترويجها في الأماكن العامة عن طريق بعض الباعة المتجولين خارج منافذ البيع المصرح بها وبشكل عشوائي دون أي ضوابط وقيود تعد سبباً رئيسياً ومباشراً في ظهور العديد الممارسات السالبة والدخيلة على مجتمعنا، فأصبحت وسيلة اتصال متاحة للمخالفين وضعاف النفوس الذين يعملون في الخفاء، مرتكبين العديد من المخالفات والتصرفات غير الأخلافية دون الكشف عن هوياتهم. وإذا ألقينا الضوء على دور شركات الاتصالات المنتجة لتلك الشرائح فنجد أنها قد تخلت عن مسؤوليتها وتعمدت عدم الالتزام بشروط وضوابط تقديم هذه الخدمات، حيث هيأت لمعتادي الإجرام والمخالفين للأنظمة وسيلة مهمة لتنسيق وتنفيذ أعمالهم غير المشروعة، متجاهلة ما يسفر عن ذلك من نتائج سالبة، فهي كل ما تصبو إليه هو أن تحقق قدرا عاليا من المبيعات والمزيد من الأرباح مستخدمة في ذلك كميات مهولة من المروجين الذين اعتادوا بيع وتوزيع هذه السموم بين الشباب وطلاب المدارس بمختلف مراحلهم دون ضابط أو رقيب، ما شكل خطراً اجتماعياً ظل يتسرب في الخفاء مخلفاً العديد من الضحايا الأبرياء الذين يفتقدون الدراية والوعي لحداثة سنهم وقلة تجاربهم. فالقرار الذي أصدرته هيئة الاتصالات بضرورة تقنين استخدام جميع شرائح الهواتف المتنقلة لم يأت من فراع، بل هو نتاج للعديد من الدراسات والإحصائيات الأمنية والاجتماعية التي تم من خلالها تحديد جميع الآثار السالبة التي تشفت بالمجتمع وأثرت على أمنه وطمأنينته، فعلى الرغم من انتهاء المهلة التي حددتها هيئة الاتصالات بتاريخ 12 ذو القعدة كموعد نهائي لإنفاذ قرار الهيئة وتطبيقه بشكل كامل، إلا أن شركات الاتصالات لم تلتزم ببرمجة ربط شرائح الشحن برقم الهوية وما زال مروجو تلك الشرائح المجهولة يمرحون ويعملون على توزيعها عبر قنواتهم المعتادة غير مبالين بما يرتكبونه من مخالفات، إلا أنني ربما أجد العذر لهؤلاء، فطالما أن شركات الاتصالات المصرح لها بتقديم هذه الخدمات وفقاً لأنظمة محددة لم تلتزم بإنفاذ قرار الهيئة، فليس هنالك ما يوقف الباعة المتجولين الذين يبحثون عن مصدر رزقهم بأي شكل من الأشكال، فشركات الاتصالات بهذه الصورة قد أعلنت صراحة عدم التزامها بقرار الهيئة دون تقديم أي مبررات وهذه مخالفة صريحة ومباشرة تقتضي المساءلة القانونية. من المؤكد أن هيئة الاتصالات ستمارس دورها المنوط بها في تنفيذ العقوبات المنصوص عليها بحق الشركات المخالفة للأنظمة المتبعة في هذا الخصوص، إلا أنه ينبغي علينا كمؤسسات وأفراد أن نظل سنداً للهيئة في تنفيذ أنظمتها حتى يتم اقتلاع هذه الظاهرة السالبة من جذورها، وذلك عن طريق الإبلاغ عن هؤلاء المروجين المنتشرين في الأحياء والمحال التجارية المختلفة، إضافة إلى التشهير بالجهات التي تعمل على تقديم هذه الخدمات بصورة مخالفة للأنظمة.