د. أنور علي بخرجي|
إن قرار إلغاء الرسوم هو استكمال لكوميديا سوداء تطرح بشكل شبه يومي على المستهلك، فنحن هنا لا نود الخوض في مدى صحة قرار وزير التجارة بإلغاء رسوم خدمات المطاعم من عدمه ومدى مردوده الإيجابي على المستهلك، وهل هذا القرار للاستهلاك الإعلامي فقط أم ماذا؟ وإنما نود طرح الأسلوب العلاجي الأمثل والأكثر عمقًا للحد من استغلال مرتادي المطاعم، وذلك عن طريق إمكانية تقنين تلك الرسوم بشكل نظامي ومنصف بما يحقق المصلحة العامة. فمن المؤكد أن هناك العديد من المطاعم تقدم خدماتها لعملائها بصورة احترافية، حيث تعمل إداراتها المتخصصة على ابتداع طرق حديثة وأساليب مبتكرة لتلبية متطلبات العملاء وتوفير احتياجاتهم بصورة مرضية، مما يجعل العميل لا يلتفت للقيمة المادية لتلك الخدمات، ويقوم بسدادها بصدر رحب، وهذا ما يقودنا إلى ضرورة التفريق بين الخدمات التي تقدمها المطاعم الراقية ذات الخمس نجوم وبين الخدمات المقدمة من أشباه المطاعم التي لا تدخر جهدًا في تقديم ما يرضي تطلعات عملائها، ومن المؤسف انتشار هذا النوع من المطاعم الرديئة فيما تقدمه وما تحتويه، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن كيفية منح التراخيص لهذه الفئة. وحتى نكون أكثر إنصافًا نجد أنفسنا أمام خيار التقنين ووضع الأسس واللوائح المتعلقة بتقييم مستوى الخدمات كما هو الحال في الخدمات التي تقدمها الفنادق بمختلف درجاتها، ولكي يكون التصنيف أكثر فاعلية من الناحية التطبيقية والعملية فلا بد من أن يكون هنالك دور ملموس وواضح للجهات المختصة بوزارة التجارة والبلديات، وذلك بفرض الرقابة اللازمة على مستوى الخدمات وطرق تحسينها، ووضع الأسس والمعايير لتقييم الخدمات وفقًا لأحدث ما تم التوصل إليه في إدارة وتشغيل المطاعم وتطبيق العقوبات الملائمة بحق المخالفين وغير الملتزمين بالضوابط والتعليمات، وحيث إنه من الواضح والمؤكد عدم وجود إمكانية للوزارة للقيام بدورها الرقابي لعدة أسباب ليس محل مناقشتها في هذا المقال، وبالتالي قد يؤخذ إصدار هذا القرار على أنه من القرارات التي تهدف إلى الكسب الإعلامي ولن ينتج عنه سوى ضرر مباشر على المستهلك لعدم قدرة الجهة مصدرة القرار على الحد من قيام المطاعم بتمرير الزيادة على باقي خدماتها، فتكون قد أضرت بالمستهلك وليس العكس. ومن الملاحظ أن هناك العديد من المطاعم تبدأ عند انطلاقتها بتقديم خدماتها بشكل مميز، وبعد اكتسابها الشهرة وجذب العملاء تبدأ في التراجع والاضمحلال، وتقدم خدماتها كيفما شاءت دون الاكتراث إلى مصلحة عملائها لتأكدها من عدم وجود حسيب ولا رقيب، وما يتم نشره في وسائل الإعلام من حين لآخر عن إغلاق مطاعم شهيرة هو خير دليل على ذلك. إن أهمية التقنين ووضع الضوابط التنظيمية المتعلقة برسوم الخدمات لا يعني بأي حال من الأحوال استغلال العميل وتحميله فوق طاقته باعتبار أن المقدرة المالية تختلف من شخص لآخر، وإنما الهدف من ذلك إعطاء كل ذي حق حقه، أي أن يكون هنالك تناسب طردي بين مستوى الخدمة المقدمة وقيمتها المادية بصورة عادلة منعًا لإتاحة الفرصة لكل من هبّ ودبّ للقيام بفرض رسوم دون تقديم خدمات مميزة وفقًا للمعايير المحددة. فالمعيار الأساسي للتقنين هو مستوى الخدمة المقدمة للعميل وكسب ثقته ورضائه وتوفير متطلباته، مع التزام مقدمي الخدمات بضرورة الارتقاء بالمستوى العام لما يقدمونه، ومعالجة جميع أوجه القصور، وبذل المزيد من العناية بما يخدم المصلحة العامة، باعتبار أن الخدمات التي تقدم بشكل مباشر للجمهور تعتبر من أكثر الأمور التي ينبغي الاهتمام بها بجدية تامة ودون تقصير. كما نود في هذا المجال الإشارة إلى أن إلغاء الرسوم لا يمكن أن يكون حلاً ناجعًا لمحاربة انتهاز واستغلال العملاء، بل سيتيح الفرصة للمخالفين لابتكار أساليب جديدة في استنزاف العملاء، وذلك عن طريق زيادة الأسعار بحجة إلغاء رسوم الخدمات، وسيتحمل العميل في نهاية الأمر عبء الزيادة، إضافة إلى المستوى المتدني من الخدمات، لذلك فإننا نرى أن سياسة التقنين ستكون الحل الجذري لإنقاذ العميل من مصيدة ارتفاع الأسعار. نتطلع إلى ألا يترك الحبل على الغارب ، وأن تسعى الجهات المنوط بها حماية حقوق المستهلك بتقديم أفكارها ومقترحاتها للحد من ظاهرة استغلال أصحاب المطاعم للعملاء دون وجه حق، وذلك بوضع آليات وضوابط لمنع حدوث المخالفات والحد منها قدر المستطاع، فالأمر لا يتعلق باستغلال العملاء ماديًّا فقط، فربما يمتد الاستهتار وعدم الالتزام إلى التأثير في الصحة العامة للمجتمع، لذلك لا بد من الاهتمام بهذا الجانب بصورة أكبر، حرصًا على سلامة المجتمع.. ولهذا، ولأن هناك انطباعًا عامًّا عن عدم قدرة الجهات الرقابية لدى كل القطاعات الحكومية على القيام بدورها الفعال في حماية المستهلك، فإني أضع أمام مجلس الشورى مناقشة مقترح: إنشاء هيئة مستقلة للرقابة وحماية المستهلك أسوة بهيئة مكافحة الفساد تتبع لها جميع الأقسام الخاصة بحماية المستهلك، تتولى التشريع والرقابة في الوقت نفسه حتى لا يكون هناك أي أعذار عند الاستهانة بحقوق المستهلك، وبالتالي حماية المجتمع من جهات الاختصاص.