د. أنور علي بخرجي| .


اطلعت على هرم الاحتياجات الإنسانية (هرم ماسلو) الذي حدد فيه القاعدة الأساسية لاحتياجات البشر مبتدئا من الأهم إلى الأقل أهمية وصولا إلى رأس الهرم، وأكد أن الاحتياجات الفسيولوجية تأتي في قاعدة الهرم وهي الغذاء والمسكن والملبس والجنس، ومن ثمّ تأتي باقي الاحتياجات تباعا كالاحتياج إلى الأمان وصولا إلى الحاجة إلى تقدير الذات على رأس الهرم. ووردت هذه الحقيقة في كتاب الله العزيز وتحديدا في سورة طه عندما خاطب الله - سبحانه وتعالى - سيدنا آدم عند إدخاله الجنة بقوله: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) وقد جاء تفسير القرطبي بأن المقصود هو الطعام والشراب والكسوة والمسكن. ومن هذا المنطلق يكون من السهل لأي مجتمع تحديد نسبة الفقراء وذوي الحاجات باعتبار أن الذين لا يملكون الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية ولا يستطيعون توفيرها يندرجون تحت قائمة الفقراء والمساكين المستحقين للصدقات، مصداقا لقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...)، وعرفت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء الفقير بأنه هو من لا يملك ما يسد حاجته ولا يقوى على كسب ما يسدها، والمسكين من كان أخف حاجة من الفقير، فهما دون شك ليس لديهما المقدرة على سد احتياجاتهما الأساسية، لذلك فقد تم ذكرهما في سورة التوبة في كتاب الله العزيز في مقدمة مستحقي الصدقات باعتبارهما الأولى والأحق بالمساعدة وتقديم الدعم من غيرهما، وذلك لشدة احتياجهما. فطالما أن الفقراء والمساكين هم أصحاب الحاجات الملحة، فينبغي أن تكون هناك أسس ومعايير لتحديد مستوى الفقر ودرجاته، فالمعاناة تتفاوت من فئة إلى أخرى، فهناك من هم معدومو الدخل بشكل كلي ويعتمدون على الإعانات والمساعدات اعتمادا أساسيا كمصدر لا يوجد سواه، وهؤلاء يعيشون تحت خط الفقر (الفقر المدقع)، وهناك أيضا من يبذلون جهودهم ويعملون طلبا للرزق بغرض سد احتياجاتهم الأساسية إلا أن دخولهم لا تغطي تلك الاحتياجات، فهم أيضا في حاجة إلى الدعم والمساعدة وهم الفقراء والمساكين، فإذا افترضنا أن هناك أسرة مكونة من زوج وزوجة وطفلين يعيشون في إحدى المدن الكبرى ودخلهم الشهري نحو أربعة آلاف ريال فقد يستطيع رب هذه الأسرة توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية التي تحتاج إليها الأسرة دون النظر إلى الكماليات الأخرى باعتبار أن راتبه الشهري مقسم لتغطية بنود محددة وهي الاحتياجات الأساسية فقط. وهذا يعني دون شك أن من يتقاضى أقل من ذلك سينتقل إلى فئة المساكين والفقراء الذين ليس لديهم المقدرة على استيفاء أبجديات متطلباتهم الحياتية، فهؤلاء يستحقون الاهتمام والرعاية ولا بد من إحصائهم والتأكد من أعدادهم باعتبارهم شريحة كبيرة من المجتمع، وهم أيضا يعتبرون جزءا من شريحة الفقراء من واقع أن مستوى دخل الفرد هو الأساس والمعيار في التصنيف، فالفقراء الذين تم حصرهم طبقا لقائمة مستحقي الضمان الاجتماعي يصل عددهم إلى 600 ألف مستحق، إضافة إلى ذويهم ليكون المتوسط في حدود مليون و500 ألف شخص. فبغض النظر عن مدى صحة الأرقام فإنني على يقين أن مستحقي الضمان الاجتماعي هم تحت خط الفقر، أي المعدمون، لذلك على الجهات المعنية القيام بالدراسات والإحصائيات اللازمة لتحديد الحد الأدنى من الدخل الذي يجعل المواطن في مأمن خارج دائرة الفقر، ومن ثم يتم تحديد من هم تحت خط الفقر ومن هم فقراء أو مساكين وتصنيفهم لشرائح محددة مع بحث الطرق الكفيلة بانتشالهم من هذا المستنقع. وفي تصوري فإن نتائج هذه الإحصائيات والدراسات ستصيبنا بالهلع الشديد إلا أنها ستمكننا من الوقوف على حقيقة الواقع الذي يحتاج إلى معالجة بصورة عاجلة. إننا على علم ودراية بالدور الكبير الذي تقوم به الدولة بمختلف كياناتها من حيث تقديمها المساعدات المادية والعينية للأسر الفقيرة، ومن المعروف عن المملكة أياديها البيضاء التي شملت مشارق الأرض ومغاربها، تقدم العون والسند للدول قبل الأفراد، وإننا على يقين أن الدولة لديها المقدرة الكافية للقضاء على الفقر واقتلاعه من جذوره، لذلك فلا بد من مواجهة هذه الإشكالية بوضع الحلول الجذرية عن طريق ابتداع الآليات والبرامج المتخصصة للخروج إلى بر الأمان تحت هيمنة وإشراف ومتابعة مؤسسات الدولة باعتبارها المسؤولة عن الوضع الاجتماعي للمواطن وما يحيط به من ظروف، فالمواطن ليس بيده سوى بذل ما يستطيع من مجهودات لتحسين مستوى دخله تلبية لاحتياجاته الأساسية، أما الدولة فهي صاحبة الاختصاص في ابتكار وتنفيذ جميع السياسات والتدابير المؤدية لاستئصال جميع الظواهر السالبة، فالفقر داء لعين يعرض حياة الشعوب والمجتمعات لمخاطر يصعب معالجاتها فلا بد من العمل على استئصال هذا الداء من جذوره بمختلف الطرق والوسائل، وإنني على يقين أن الدولة ستواصل دعمها لجميع المبادرات الرامية لاقتلاع الفقر من مجتمعنا، الأمر الذي يحتم علينا أن نتكاتف جميعا كل في مجال تخصصه مع ولاة أمرنا - حفظهم الله - من أجل توفير الحياة الكريمة الهانئة لجميع أفراد مجتمعنا.