د. أنور علي بخرجي|
لا شك أن هناك العديد من الاحتياجات الأساسية والحياتية الضرورية التي يحتاج إليها الإنسان أينما وجد في عالمنا المعاصر، ومن أهمها الماء والكهرباء، وهي من الخدمات الحيوية المهمة التي تقدمها الدولة للمواطنين بمقابل مادي مما يستوجب توافرها وعدم انقطاعها مهما كانت الأسباب. ونحن في المملكة، التي تعد أغنى الدول العربية والإسلامية، التي تمتلك ثلث احتياط العالم من النفط ما زلنا نعاني انقطاع التيار الكهربائي وعدم انتظامه في العديد من المدن والمناطق المختلفة، وعلى الرغم من الوعود التي يسمعها المواطن عن توفير الإمكانات المادية اللازمة لتطوير هذا القطاع الخدمي المهم وغيره من الخدمات الحياتية الأخرى والاستعداد في توفير الأجهزة والمعدات اللازمة لإدارة وتشغيل هذا النشاط بشكل أكثر فاعلية، إلا أن هذه الوعود كانت كذرات الرماد في العيون، وأن الإشكالية لم تجد طريقها إلى الحل، وما زالت أكثر تعقيداً وأكثر اتساعاً دون أي مبررات مقنعة، فمن الواضح والمؤكد أن الخلل والقصور في مستوى الخدمة لا يتعلق بالإمكانات المادية، بل القائمين على إدارة هذا المرفق الحيوي، الأمر الذي يجعلنا نطالب بمحاسبة المقصرين، الذين ما زالوا يختلقون المبررات الواهية والأعذار لتبرير قصورهم وعدم مقدرتهم وإهمالهم لهذا القطاع المهم والحيوي. من الطبيعي بل من المؤكد أن عملية تأرجح خدمة الكهرباء وعدم انتظامها بالشكل المطلوب يكون سببا مباشراً في إلحاق أضرار مادية ومعنوية بجميع قطاعات المجتمع بمختلف شرائحه، فالمواطنون في مساكنهم يكونون أكثر معاناة واستياء بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما يتسبب في العديد من الأضرار التي يصعب معالجتها، إضافة إلى معاناة أصحاب العمل التجاري والصناعي والخدمي، الذين يعتمدون في إنتاجهم وتشغيل أجهزتهم ومعداتهم على التيار الكهربائي كمصدر أساسي ورئيس للطاقة فمن المؤكد بأنهم سيكونون أكثر ضرراً، وستلحق بهم خسائر مادية فادحة نتيجة لعدم انتظام هذه الخدمة. فطالما أن جميع المنتفعين من هذه الخدمة ملتزمون بسداد الرسوم المقررة بشكل فوري، فإنه من الواجب على الجهات المعنية أن تسخر جزءا من تلك الإيرادات لتطوير مستوى الخدمة وتقديمها بشكل أفضل لمشتركيها، وذلك عن طريق استحداث بعض الوسائل والطرق العصرية التي تجعل العملاء أكثر رضاء وقبولاً لمستوى الخدمة المقدمة، فجميع القطاعات الخدمية التي تقدم خدماتها بمقابل مادي تسعى إلى التطوير والارتقاء من أجل كسب ثقة عملائها. ولا يفوتنا في هذا المجال أن نشير إلى أن عملية تردي مستوى الخدمات الحياتية الضرورية مثل الكهرباء، وما ينتج عن ذلك من آثار سالبة تعوق انتفاع المواطن وتؤثر في مستواه المعيشي، تجعل للمواطن الحق في اللجوء إلى الأجهزة القضائية المختصة للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته جراء عدم انتظام هذه الخدمة التي تقدم له بمقابل مادي يقتطعه المواطن من قوته اليومي، فطالما أن توفير التيار الكهربائي مرهون بسداد قيمة الاستهلاك، فإننا نكون على حق في المطالبة برفع الضرر وتمكيننا من الانتفاع من الخدمة بشكل مستمر ومنتظم دون انقطاع، وطالما أن إدارة الكهرباء قد منحت لنفسها الحق في إيقاف الخدمة عن المشتركين غير الملتزمين بسداد قيمة استهلاكهم كعقوبة لحين قيامهم بالسداد وأصبحت هي الخصم والحكم، فمن حق المشتركين المنتظمين في السداد المطالبة أيضاً بالخسائر التي لحقت بهم نتيجة لعدم الانتظام في تقديم هذه الخدمة، فلا يجوز شرعاً انتفاع طرف دون الآخر باعتبار أن العلاقة بين الطرفين مبنية في الأساس على تبادل المنافع. إلا أن فكرة اللجوء إلى القضاء لا تعد من الحلول المجدية في هذا الوقت نظراً لتكدس القضايا المنظورة لدى المحاكم وطول أمد إجراءات التقاضي، ما يجعل المواطن يتكبد عناء المتابعة عبر أروقة القضاء لمدة قد تصل إلى سنوات طوال، لذلك فإن الحل في مثل هذه الظروف يكمن في تدخل الدولة بإصدارها قرارات حاسمة وحازمة لرفع الضرر عن المواطن وتمكينه من الانتفاع الهانئ من الخدمات التي تقدمها. وفي تقديرنا طالما أن الدولة قد فتحت المجال للمستثمرين الأجانب بالدخول إلى السوق السعودية بهدف إحداث تكامل اقتصادي وتلاقح في الأفكار كنقلة نوعية للاستفادة من الخبرات الأجنبية المتخصصة وما تمتلكه من التقنيات والأساليب العصرية الحديثة التي تؤدي إلى الارتقاء في مستوى الخدمات على الأصعدة كافة، وحيث إن المواطن قد أصبح على قناعة راسخة بعدم مقدرة الكوادر الوطنية على تحقيق ما يرتقي بهذه الخدمة رغم قيامه بتحمل النفقات التي ألزم بها دون خيار، لذلك فلا بد من فتح المجال لدخول الشركات الأجنبية المتخصصة لتولي القطاعات الحيوية التي تخدم المواطن وتقدم له الخدمة التي تليق به وبسمعة المملكة باعتبارها من الدول التي تحتل مكاناً مرموقاً على المستويين العربي والعالمي. وعلى الرغم من أن هذا الحل قد يواجه بانتقادات من بعض المستفيدين من بقاء الوضع على ما هو عليه إلا أننا نرى أن مصلحة المواطن للاستفادة من الخدمات الحياتية الضرورية هي الأجدى والأولى دون غيرها من الاعتبارات الطنانة التي يتمسك بها أصحاب المصالح الخاصة. فإذا كان الأمر يتعلق بتوطين الوظائف، فإننا على علم بأن الدولة تلزم جميع الشركات الأجنبية بتطبيق برنامج السعودة، وفقاً لنسب محددة، وبذلك تستطيع هذه الشركات المتخصصة مزاولة أنشطتها في الارتقاء بتلك القطاعات المهمة، والجدير بالذكر في هذا المجال أن العديد من الشركات الأجنبية، التي شاركت في تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية في المملكة قد أثبتت نجاحها باقتدار ونفذت مهامها على الوجه الأكمل، وفقاً للمواصفات العالمية، حيث قامت بتسليم مشاريعها قبل حلول الموعد المحدد بالجدول الزمني للتسليم بخلاف بعض الشركات المحلية، التي تعثرت في تنفيذ مشاريعها ولم تلتزم بالمواعيد المحددة للتسليم. إنني في هذا المجال لا أسمح لأحد أن يشكك في وطنيتي، ولكن قد يجبر الإنسان على ما لا يريد عندما تصبح الحقيقة ماثلة أمامه وليس له خيار إلا المواجهة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمصلحة العامة، التي تغلب على ما دونها من المصالح الأخرى.