د. أنور علي بخرجي|  


يعد الاستثمار بشكل عام محركاً أساسياً ومرتكزاً محورياً في دفع عجلة التنمية بمختلف أشكالها، وذلك بما له من دور وتأثير في الارتقاء بالجانب الاقتصادي، ما ينعكس بشكل إيجابي على تطوير الحياة الاجتماعية والسياسية، وذلك عن طريق تنويع مصادر الدخل بما يضمن سد الاحتياجات الأساسية للدولة وإتاحة فرص العمل وتحسين مستوى المواطنين وتنمية الصادرات وإنعاش العلاقات التجارية بين الدول. ومن الملاحظ أن المملكة بذلت جهوداً كبيرة ومقدرة في مجال تطوير الاستثمار وتحسين بيئته وظروفه، وذلك من خلال تبني البرامج والسياسات التي استطاعت من خلالها الهيئة العامة للاستثمار أن تؤسس نظاماً متكاملاً وخدمة شاملة عكفت على وضع تفاصيلها بشكل دقيق بناء على دراسات مستفيضة خدمة للمستثمرين الوطنيين والأجانب ومد يد العون لهم فيما يعترضهم من إشكاليات أو عقبات وذلك بهدف تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة على أرض الواقع. وإذا أمعنا النظر في الجهود التي بذلتها الهيئة لجذب المستثمرين الأجانب نجد أنها قد أقرت حزمة من التسهيلات والأنظمة لتنظيم وتأطير العلاقة مع المستثمر الأجنبي وتحديد الحقوق والالتزامات بشكل شفاف، ما أعطى دافعاً ومحفزاً للعديد من رؤوس الأموال الأجنبية للانخراط في الوعاء الاستثماري في المملكة الذي أصبح مرتعاً خصباً لكل من يرغب في الانخراط في هذا المجال، خصوصاً أن البيئة الاقتصادية في المملكة تتميز بالاستقرار والعائد المجزي، إضافة إلى قلة المخاطر، وهذا ما ينشده المستثمر أينما كان وارتحل، وبذلك فقد انهالت العديد من رؤوس الأموال الأجنبية مشاركة في العديد من المشروعات الصناعية والخدمية بمختلف أشكالها. جدير بالذكر في هذه السانحة أنه طالما أن الدولة بمختلف أجهزتها هيأت للمستثمر الأجنبي المناخ الملائم ووفرت له الفرص الاستثمارية المربحة فمن البديهي، بل من الواجب أن يشارك في البرامج التي تقرها الدولة بهدف تحقيق تنمية مستدامة على الأصعدة كافة، فطالما أن هناك مسؤولية ملقاة على عاتق القطاع الخاص في المملكة تجاه المجتمع من حيث توفير فرص العمل للمواطنين وتقديم العون لذوي الحاجات، فإنه لا بد من تقيد المستثمرين الأجانب بهذه السياسات والعمل جنباً إلى جنب مع الشركات والمؤسسات الوطنية لتنفيذ خطط وبرامج الدولة الرامية إلى تحقيق توازن اجتماعي واقتصادي، إلا أننا نجد أن معظم المستثمرين الأجانب يحاولون بشتى السبل التنصل من المشاركة في برامج الدولة الهادفة إلى إتاحة فرص العمل للمواطنين، وهذا يعد تخاذلاً ونكرانا للجميل، فليس من العدل أن تحقق الاستثمارات الأجنبية عائدات كبيرة منافسة للشركات الوطنية دون أن تشارك في برامج المسؤولية الاجتماعية. إننا نثمن الجهود التي بذلتها وما زالت تبذلها الهيئة العامة للاستثمار للارتقاء بالبيئة الاستثمارية في المملكة، إلا أننا نجد أن المرحلة المقبلة تتطلب وضع إستراتيجيات وخططا تطويرية جديدة بصورة أكثر مواكبة، فالهيئة العامة للاستثمار تواجه تحديات حقيقية فيما يختص بتهيئة المناخ الاستثماري بشكل أفضل، خصوصاً للمستثمرين الوطنيين، فهم الأولى بالمعروف، فالهيئة العامة للاستثمار بما لها من صلاحيات هي صاحبة الاختصاص في توزيع وإتاحة الفرص عن طريق وضع الأنظمة والضوابط التي تقرها بما يخدم القطاع الاستثماري في المملكة. إنني لست متحاملاً على المستثمرين الأجانب بقدر ما أنني أنشد الارتقاء والتطوير في القطاع الخاص الوطني وتهيئته بطريقة يستطيع من خلالها استقطاب الشباب الباحثين عن العمل الذين تخرجوا في الجامعات وما زالوا ينتظرون الفرج. فالهيئة في هذه المرحلة ينبغي أن تطرق منافذ جديدة عن طريق وضع خطط وبرامج إضافية، خاصة فيما يختص بالمستثمر الأجنبي من حيث النشاط ورأس المال، باعتبار أن القطاع الاقتصادي في المملكة قد تشبع من الأنشطة التقليدية التي يرتادها معظم المستثمرين، فلا بد أن تكون هناك نقلة نوعية في مجال قبول طلب المستثمر الأجنبي الذي من المفترض أنه قادم بتقنيات جديدة لتطوير البيئة الاستثمارية وخلق نوع من التنوع كسراً لحاجز الركود. ختاما.. نحن على ثقة بمقدرات الهيئة بما لديها من كوادر مؤهلة في بلورة برامج - إستراتيجيات حديثة للنهوض بالبيئة الاستثمارية في المملكة إلى مراتب عليا. متمنين أن نشهد ما ننشده في القريب العاجل.