د. أنور علي بخرجي|
ظلت العملية التعليمية من الأمور التي حازت اهتمام كافة المجتمعات في مشارق الأرض ومغاربها وبمختلف سحناتها ومعتقداتها الدينية، وهذا الاهتمام نابع من أن التعليم هو معول بناء وتطور الشعوب ومصدر ارتقائها، لذلك نجد أن الجميع في تسابق وتنافس نحو وضع الأسس والضوابط الكفيلة بتطوير ونهضة التعليم. وفي هذه السانحة أود الإشارة إلى جانب في غاية الأهمية يتعلق بالطرق والأساليب المتبعة في تعليم صغار السن باعتبار أن العملية التعليمية تعتمد في الأساس على الجانب التربوي والسلوكي، فالتربية الصحيحة هي الأساس والمرتكز لإخراج أجيال معافاة تعمل على رفعة أوطانها وصون مجتمعاتها من كل ما هو مبتذل ودخيل، وحتى نستطيع النهوض بأجيالنا فلا بد لنا من الاهتمام بتوفير الجو والمناخ الملائم لأبنائنا الصغار بتوفير جميع الوسائل والطرق المؤدية إلى نجاح العملية التعليمية وتحقيق أهدافها وغاياتها. فمن أهم الأمور الجديرة بالاهتمام في هذا المجال تجربة الاختلاط بين البنين والبنات والتي كانت وما زالت مثار تأييد واعتراض في الأوساط التربوية والثقافية في مختلف دول العالم فهناك من يدافع ويؤيد الاختلاط من منطلق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الأمور دون النظر إلى المخاطر التي تحيط بذلك، إلا أن الواقع المجتمعي بعد أن خاض هذه التجربة بعمق ولمدة طويلة قد حسم هذه القضية الشائكة بالرغبة في نشر مؤسسات تعليمية منفصلة للبنات وأخرى لتعليم البنين بعد أن عانت تلك المجمعات من مساوئ وسلبيات الاختلاط وسادت العديد من الدراسات التربوية المتخصصة التي تؤكد هذه المساوئ وتعللها، وقد تبين بذلك خطورة فكرة التماثل بين الجنسين وخابت آمال دعاة المساواة بين الجنسين، وإزاء هذه الرغبة المجتمعية الرافضة للاختلاط انتشرت العديد من مؤسسات التعليم غير المختلط في جميع دول العالم كخطوة إيجابية ونتيجة مبنية على دراسات واقعية أكدت فشل تجربة الاختلاط نتيجة السلبيات التي أضرت بالحياة الاجتماعية وخلفت رواسب لا يمكن معالجتها بين عشية وضحاها. وعلى الرغم مما أسفرت عنه التجارب المجتمعية في مختلف دول العام والتي أثبتت فشل التجربة بكل المقاييس وبمختلف النواحي، إلا أننا نجد أن هناك من ينادون إلى تبني تلك التجربة الفاشلة في مجتمعنا المتمسك بقيمه الإسلامية الفاضلة متناسين ومتجاهلين ما يمكن أن يصيب مستقبل أجيالنا من البلايا ويفتح أبواب الفساد والفتن والرذيلة فلا يعقل أن ندمر فلذات أكبدنا بأيدينا عن طريق تبني أفكار هدامة ودخيلة على مجتمعنا وبعيدة كل البعد عن عاداتنا وتقاليدنا، فعلماؤنا العارفون بأمور ديننا قد أصدروا العديد من الفتاوى منادين بمنع الاختلاط من حيث المبدأ بغض النظر عن أماكنه وأغراضه وذلك حفاظاً على النسيج الاجتماعي من أي منكرات ومفاسد، ولا ندري ماذا يريد بنا من يدافع عن هذه الظاهرة السالبة التي أثبتت فشلها عالمياً. فهؤلاء يدركون تماماً مخاطر الاختلاط وسلبياته على المجتمع إلا أنهم ينطلقون من أفكار زجت بعقولهم من دعاة التحرر الذين يريدون تدنيس مجتمعنا الإسلامي بسمومهم وعاداتهم التحررية الفاسدة التي أثبتت فشلها في مختلف المجتمعات. إن الاختلاط بين الرجال والنساء أينما كان سيلقي بإفرازاته السالبة على المجتمع ويزيل الحواجز بين الجنسين فينعدم الحياء ويختلط الحابل بالنابل، فتنتهك العروض ويستباح كل ما هو محظور خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، فالشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم في الوريد، ومن المؤكد أن تهيئة الجو والمناخ لاجتماع الجنسين في مكان واحد تؤدي إلى انتشار الرذيلة والمفسدة بشكل لا تحمد عقباه، لذلك فمن الواجب أن نظل متمسكين بشرع الله الحكيم الذي جاء بكل ما يصلح العباد ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله المستقيم وعن شريعة الله فإنهم على ضلال وأمرهم صائر إلى الفساد وسيحصدون غرسهم وما صنعته أيديهم يوم لا ينفع الندم. ختاماً: نحمد الله سبحانه وتعالى الذي أنعم علينا بالأمن والأمان في ظل حكومتنا الرشيدة التي اتخذت الشريعة الإسلامية منهاجاً ودستوراً لتنظيم الحياة الاجتماعية في مختلف جوانبها ضاربة بيد من حديد كل من تسول له نفسه العبث بقيمنا وعاداتنا.