د. أنور علي بخرجي|  

اطلعت باهتمام بالغ على الخبر الذي أوردته صحيفة ''الاقتصادية'' في عددها رقم 6816 وتاريخ 9/6/2012، الذي جاء تحت عنوان ''قانون جديد لسداد إيجارات العقارات شهرياً''، ومن الواضح في محتوى ومضمون الخبر أن النظام يتعلق بجانب محدد بالعلاقة التعاقدية بين المؤجر والمستأجر، ألا وهو ضمان سداد القيمة الإيجارية المستحقة للمؤجر بموجب عقد الإيجار بعد أن أصبح تعثر المستأجرين وعدم التزامهم بالسداد هاجسا يؤرق ملاك المشاريع العقارية ويعرض عائدات استثماراتهم للضياع، الأمر الذي يحتم ضرورة إيجاد سبل نظامية لحفظ حقوقهم، خصوصاً أن عائدات الإيجارات تشكل الدخل الأساسي والرئيسي لفئة كبيرة من المجتمع السعودي. وقبل التعليق على ما تضمنه الخبر لا بد لنا من إمعان النظر حول التكييف النظامي للعلاقة التعاقدية التي تربط بين المؤجر والمستأجر والتي تنحصر في التزام المؤجر بتمكين المستأجر من حق الانتفاع بالعين المؤجرة لمدة محددة مقابل مبلغ معين، وهذا يعني دون شك أن العلاقة بين الطرفين مبنية على التراضي والقبول تحقيقا لمصالحهما المشتركة، وذلك بموجب عقد إيجاري يتضمن حقوق والتزامات كل طرف تجاه الآخر وفقاً لبنود واضحة متفق عليها، وفي حال مخالفة أي من الطرفين بالتزاماته التعاقدية فإنه من حق الطرف المتضرر المطالبة بحقوقه التعاقدية بمختلف الطرق والوسائل النظامية المنصوص عليها بموجب العقد، لذلك فإن العقد المبرم بين الطرفين يعتبر المرجع الأساسي في تنظيم العلاقة بين المتعاقدين ولا يمكن التنصل عما ورد في أحكامه ومضامينه لأي سبب من الأسباب. أما فيما يختص بالنظام المقترح والمتعلق بحماية استحقاقات المؤجر في ذمة المستأجر دون النظر إلى مقتضيات ومضامين العلاقة التعاقدية التي تربط بين الطرفين والتركيز فقط على حقوق المؤجر، وذلك عن طريق تكوين قاعدة بيانات معلوماتية لمتابعة المتعثرين وتدوين المبالغ المعلقة بذمتهم لمصلحة المؤجرين، فهو إجراء إحصائي يتعلق بتكوين مركز معلوماتي لتمكين المؤجرين من معرفة المتعثرين وعدم التورط معهم مستقبلا، إلا أن الأهم في هذا الأمر هو تحديد الآليات والوسائل الكفيلة باسترداد استحقاقات المؤجرين في ذمم المتعثرين أو الممتنعين عن السداد وتوفير الضمانات الكافية التي تمكنهم من تحصيل استحقاقاتهم، فإذا كان النظام المقترح إصداره قد أشار إلى استقطاع القيمة الإيجارية المستحقة للمؤجر شهرياً، فعلى أي أساس سيتم ذلك الإجراء؟ وما الضمانات التي سيقدمها النظام الجديد للملاك فيما يختص باستيفاء حقوقهم من المستأجرين الذين لم ترد أسماؤهم ضمن قائمة المتعثرين؟ وهل هناك من عقوبات رادعة يتم إصدارها في حق المخالفين؟ أم أن النظام سينحصر دوره حول التعريف بالمخالفين بموجب قوائم توضح بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية؟! وفي تقديرنا يمكن أن يؤدي النظام المقترح دوره المنوط به إذا تم إسناده وتعزيزه بآليات وضوابط تنفيذية أكثر عمقاً تحت مظلة وإشراف وزارة الإسكان الوليدة تفعيلاً لدورها بشكل إيجابي لتمكين ملاك المشروعات العقارية من تحصيل حقوقهم المالية بشكل قطعي، إضافة إلى إمعان النظر في الوقت نفسه حول الحقوق الإيجارية للمستأجرين وعدم المساس بها وتوفير الحماية النظامية لطرفي العلاقة دون انحياز بموجب عقد إيجاري موحد وملزم، فطالما أن النظام يهدف إلى إعطاء كل ذي حق حقه فلا بد من مراعاة حقوق الطرفين على السواء دون تمييز، لذلك فمن المفترض أن تعمل وزارة الإسكان على تشكيل لجنة قانونية متخصصة في هذا المجال بالتنسيق مع وزارة العدل بغرض تقنين العلاقة الإيجارية بشكل يضمن حقوق المتعاقدين تجاه بعضهما البعض بصورة فاعلة، فالقضايا المتكدسة لدى أروقة القضاء والمتعلقة بالخلافات التعاقدية بين المؤجرين والمستأجرين خير دليل على أن الأمر يتطلب إعادة تنظيم لمضمون ومحتوى تلك العلاقات، أما إذا انحصر دور النظام في تكوين قاعدة بيانات ومعلومات لاستعراض أسماء المتعثرين والتشهير بهم، فستظل حقوق الملاك معلقة بذمم المستأجرين كما هو الحال بالنسبة إلى المصارف التي ما زالت تعاني استهتار بعض عملائها وامتناعهم عن سداد البطاقات الائتمانية ولم يكن في وسعها سوى إدراج أسمائهم في قائمة الحظر (سما) ومنعهم من الحصول على أي تسهيلات أو تعاملات بنكية دون إيجاد السبل النظامية التي تمكنهم من تحصيل استحقاقاتهم المالية عبر أروقة القضاء، فليس من المعقول أن يتم منح القروض والتسهيلات دون توفير الضمانات الكافية والكفيلة بضمان استيفاء الحقوق وتبرئة الذمم. إننا دون شك نثمن الجهود التي تبذلها الدولة في الحفاظ على حقوق ومكتسبات جميع أفراد المجتمع بما يحقق مصالحهم ويعود بالنفع والخير عليهم، فالأنظمة والضوابط التي تنظم تلك العلاقات بين مختلف أطياف المجتمع يجب أن تراعي حقوق الجميع دون تمييز وتغطية جميع الجوانب دون التركيز على البعض وتجاهل البعض الآخر، فالعدالة الاجتماعية ترتكز على الالتفات والاهتمام بشكل أساسي بمصالح الجميع وبحث الطرق والوسائل الكفيلة بتحقيقها.